محمد جمعة عبدالهادي | ثقافة المفهرس ووعاء فهرسته - ندوة المخطوطات العربية وعلومها - جامعة الأزهر - كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات، بالقاهرة - 11 أبريل 2021م
ثقافة المفهرس ووعاء فهرسته
محمد جمعة عبدالهادي موسى
(باحث دكتوراة، كلية الآداب – جامعة القاهرة)
(ندوة: المخطوطات العربية وعلومها بلغة الضاد، جامعة الأزهر، كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات، بالقاهرة، "بالتعاون مع الهيئة العامة لقصور الثقافة – فرع القاهرة"، الأحد، 29 شعبان 1442هـ/11 أبريل 2021م).
يعد الاحتفال بيوم المخطوط العربي احتفاء بالكتابة العربية والخط العربي، وكذا الاحتفاء بالمؤلف والمفهرس والمحقق، وكل من هو ذو صلة بالنشر النقدي للتراث العربي الإسلامي، بدءًا من أثر المخطوطة على اختلاف موضوعها، مرورًا بالمفهرس الذي يُدل عليها في فهرسته، ثم المُحقق الذي يعتمد على عمله في توثيقها، فيقوم بعد عمل عظيم بتحويلها من شكلها الكتابي المخطوط إلى شكلها الرقمي المطبوع، ذلك الشكل الذي يعتمد عليه الدارسين ثقة في دقة النشرة المحققة، التي خرجت إلى المكتبة العربية التراثية بفضل عمل المفهرس ثم المحقق، في رحلة تُثبت فضلهما الجليل وعملهما العلمي الشريف.
ولقد تشرفت بالدعوة الكريمة والمشاركة متحدثًا عن: (ثقافة المفهرس ووعاء فهرسته)، في ضيافة (جامعة الأزهر - كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات، بالقاهرة)؛ احتفالا بيوم المخطوط العربي (29 شعبان 1442هـ/ الأحد 11 أبريل 2021م)، تحت عنوان: (المخطوطات العربية: "وعلومها بلغة الضاد").
كما سعدنا بهذا الاستقبال الرحب والاحتفاء الطيب من عمادة الكلية (سعادة الأستاذة الدكتورة شفيقة الشهاوي – عميدة الكلية)، وسعادة وكيلة الكلية لشؤون الدراسات العليا (الأستاذة الدكتورة فاطمة رجب)، وسعادة وكيلة الكلية (الأستاذة الدكتورة سعاد يوسف أبو المجد، استاذة اللغويات). كلل الله جهودكم الطيبة بكل توفيق وسداد، لما شهدناه من إعداد قيم لهذه الندوة العلمية، والثراء المعرفي لدى طلاب الكلية الأفاضل. وشهادات التقدير التي منحتها الكلية للمشاركين. والحمد لله تعالى كان يومًا من أيامي الطيبة والجميلة، فلله الحمد على هذا التقدير الطيب والنافع بعون الله تعالى.
المستخلص
تدخل هذه الدراسة المتواضعة، وعنوانها: «ثقافة المفهرس ووعاء فهرسته»، تحت باب «فن فهرسة المخطوطات»؛ وذلك فيما يتصل بعمل مفهرس المخطوط العربي، ومكانته في التراث العربي الإسلامي. فكل جهد يتعلق بوعاء فهرسة المفهرس يدل عليه؛ بدءًا من وعي المفهرس لتاريخ الفهرس ووظيفته وقيمته، ثم ما يجب عليه أن يتثقف به حين قيامه بهذا العمل فيما يتعلق بعناصر الفهرسة، وإتقانه العلوم المتصلة بها كعلم المخطوطات والكوديكولوجيا، وما يكتسبه هذا المفهرس من خبرة وبصيرة وقدرة على «توثيق العنوان والمؤلف»، وكذلك «فهرسته لفاتحة المخطوط وخاتمته»؛ باعتبار أن «الفهرسة ليست مجرد حديث وصفي عن الكتاب المأثور وعن مقاسه ومسطرته وأوله وآخره ومؤلفه، وإنما يحتاج المفهرس لإنجاز عمل الفهرسة إلى أداوت لا تقل عن تلك الأدوات التي يحتاج إليها المحقق»، الذي قد يكون أكثر العاملين في هذا الحقل خبرة للقيام بهذا الشأن، وهنالك نماذج على ذلك، ومن ثم فإن «المفهرس يجب أن يكون على علم واسع بمادة الكتاب» المخطوط.
وتظهر أهمية هذا الموضوع في الاستدلال على مكانة المفهرسين للمخطوطات العربية، ودرايتهم بهذا العمل الدقيق الشاق، والممتع في الوقت ذاته؛ فالحديث عن «مفهرس المخطوط» لا يعني فقط ذلك المفهرس الذي تقدم له مجموعة من «المخطوطات الورقية»، أو «المصورات الميكروفيلمية»؛ ليضع لها بطاقات على الحدَّ الذي رسمه له علماء فن الفهرسة، بينما يجب العناية بهذا المفهرس الذي يُدْفَع به إلى خزانة من خزائن المخطوطات، ثم يراد منه أن يحسن النظر والتقييم.
وتتضح مكانة «مفهرس المخطوط العربي» إذا قُّرِرَ أنه لا يُّحسن عَمله إلا من خلال ثقافة طيبة، وإدراك جيد بتاريخ الكتاب العربي، وبداية التدوين، ثم معرفة جيدة بمسار التأليف، وطرائق المصنفين ومناهجهم، والإلمام بمصطلحات العلوم والفنون، وإدراك العلائق بين الكتاب والمؤلفين: تأثرًا أو نقدًا أو شرحًا أو اختصارًا أو تذييلا، ثم من وراء ذلك كله معرفة المفهرس لتاريخ الكتاب المطبوع، ومراحل نشر التراث وسماته. ودنما شك فإنَّ عُدَّة المفهرس هنا قد تكون هي نفس عدّة المحقق، وثقافة أحدهما هي ثقافة الآخر؛ سيما وأن «التحقيق نتاج خُلقي لا يقوى عليه إلا من وُهِب خلَّتين شديدتين: الأمانة والصبر، وهما ما هما».
ومن النماذج الجليلة الذين دفعتهم خبرتهم إلى الحديث عن «ثقافة المفهرس»، وفن فهرسة المخطوطات، والأدوات التي يحتاج إليها، هو الدكتور محمود الطناحي (1353–1419هـ=1935–1999م)، وذلك فيما وقف عليه وتعرض له من مخطوطات، متنوعة الموضوعات، وذلك بـ: «الخزانة العامة بالرباط»، و«المكتبة الخاصة بالشيخ محمد الناصر الكتاني–بعثة معهد المخطوطات إلى الرباط، المغرب» (1972م)، و«خزانة القرويين بفاس»، وفي: «مكتبة جامع المظفر بتعز باليمن-بعثة معهد المخطوطات»، وفي: «مكتبة الشيخ محمد بن عبد الله آل عبد القادر بالمبرَّز، بالأحساء: المملكة العربية السعودية»، «بعثة معهد المخطوطات إلى المملكة العربية السعودية، (1973م): مخطوطات مكتبة عنيزة، والمكتبة المحمودية بالمدينة المنورة، ومكتبة الشيخ محمد سرور الصبان الخاصة، الملحقة بمسجده في أطراف مكة المكرمة» وغيرها.
وقد اتضحت ثقافة هذا المفهرس في دراسته «الفهرس» وتاريخه، ووظيفته، ووعيه أمر الفهارس والببليوجرافيات، فضلا عن معرفته «الفرق بين فهرسة الكتاب المطبوع، وفهرسة الكتاب المخطوط».
ثم تبين علو شأن هذا المفهرس أيضًا في معرفة «اللغة»، التي كانت تُكتبُ بها عناوين الكتب، ومادة الكتاب المخطوط، وهذه اللغة كان يحتاج إليها لتحرير عنوان المخطوط، ثم إثبات شيء من أوله وشيء من آخره، على وجه الصحة والصواب. هذا بالإضافة إلى أمر مهم يخص ثقافته نحو «معرفة مصطلحات العلوم»، وقد ظهرت ثمرة هذه المعرفة في فهرسة المفهرس لتلك المخطوطات المنزوعة الأغلفة، أو التي فقدت أوراقًا من أوائلها أو أواخرها، فلا يعرف عنوانها أو مؤلفها، فيكون على المفهرس أن يعرف الفنّ أو الموضوع الذي تدور في فلكه هذه الكتاب؛ حيث يدرك المفهرس قيمة ذلك من انتباهه بأن عدم معرفة اللغة، وبخاصة الغريب منها، وكذلك عدم معرفة المادة العلمية في المخطوط، قد توقع في تخليط شديد، وربما وضع الكتب في غير فنه.
كما تجلت مكانة المفهرس أيضًا عبر ذلك المدى الرحب الواسع الذي يستشرفه ثم يغوص فيه، وهو عالم المخطوط العربي: ماضيه وحاضره ومستقبله. والقضية الأولى هنا التي اشتغل بها المفهرس وألزم بها نفسه، هي أن ما بذله من جهد في معرفة قصة المخطوط العربي من بدايتها، ومعرفة: متى بدأت كتابة المخطوط العربي. فالمفهرس يعرف تاريخ التدوين، ربما من منتصف القرن الثاني الهجري. ولمعرفة مخطوطات هذه الحقبة من تاريخ المخطوط العربي، نجد المفهرس يقرأ هذه الكتاب: «نوادر المخطوطات العربية وأماكن وجودها، لأحمد تيمور باشا» (ت1348ه/1930م)، و«أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم، لكوركيس عواد» (ت1413ه/1992م)، و«الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات، للدكتور أيمن فؤاد سيد، بارك الله في عمره»، وهو كتاب نافع جدًا. فيقطف المفهرس ثمار تلك المعرفة في الإحاطة بقضايا: «واقع المخطوط العربي»، من حيث وجوده وعدم وجوده، أو وجود قطعة منه أو جزء من أجزائه، ثم من حيث كثرة نسخه في المكتبات وقلتها.
وتظهر دقة المفهرس في «قراءة مقدمات المحققين»، وتأمله وصفهم للنسخ المخطوطة التي ينشرون عنها تحقيقاتهم، وإثبات ما على النسخ من قراءات وإجازات وتملكات وبلاغات. وكذلك متابعته لما يُنشَر من الكتب المحققة وقراءة مقدماتها، وستظهره هذه القراءة على فوائد جليلة. كما أن المفهرس ينظر في «فهارس الكتب»، ويقرأ «الدوريات» التي تعني بشئون المخطوطات، مثل: مجلة معهد المخطوطات، ومجلة المورد العراقية، ومجلات المجامع اللغوية، وبخاصة مجلتا مجمع دمشق، ومجمع بغداد، ثم الاستفادة من المؤتمرات والندوات التي تعقد لبحث شئون المخطوطات.
كما يتبين جهد المفهرس وثقافته في معرفة «إدراكه العلائق بين الكتب»؛ فبعض الكتب بينها وشائج وقرابة، لا تظهر إلا بقراءة مقدماتها، وهذه العلائق قد تكون ظاهرة في عنوان الكتاب، كعبارات، مثل: شرح، تكملة، ذيل، صلة، اختصار، أو تهذيب. فيبين بذلك الأصول والفروع.
ومن أنفع ما كُتب في هذا الشأن، ويمكن للمفهرس الاعتماد عليه، ما وضعه الأساتذة: د. صلاح الدين المنجد في كتابه: «قواعد فهرسة المخطوطات العربية»، ود. عبد الستار الحلوجي، في كتابه: «المخطوط العربي»، ود. أيمن فؤاد سيد، في كتابه الجامع: «الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات»، والدكتور محمود الطناحي، وما كتبه بعنوان: «الفهرس الوصفي لبعض نوادر المخطوطات بالمكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض». وبعد: فهذا غَيْضٌ من فيض، وقطرة من بحر؛ مما يستدل به على مكانة ورفعة مفهرس المخطوط العربي، وما تعهده وأخذ به نفسه ليستقبل بها المخطوطة التي يريد أن يفهرسها.
![]() |
من اليمين مع الدكتورة غادة فايد (الأستاذ المساعد بكلية الآثار، جامعة عين شمس - الأستاذة الدكتورة فاطمة رجب وكلية الكلية لشؤون الدراسات العليا) |
![]() |
الدكتورة نورة عبد العظيم حجازي - الدكتورة مروة محمد الشريف - الدكتورة غادة فايد |