محمد جمعة عبدالهادي | المؤرخ والتاريخ في مرآة المجتمع - جريدة القاهرة - الثلاثاء 19 نوفمبر 2019م

 محمد جمعة عبدالهادي موسى:

المؤرخ والتاريخ في مرآة المجتمع - جريدة القاهرة - الثلاثاء 19 نوفمبر 2019م

(جريدة القاهرة، وزارة الثقافة، الثلاثاء 19 نوفمبر، 2019م/22 ربيع الأول 1441م، السنة العشرون، العدد: 1009)، ص 15.



  لا ترتبط هذه الإشارة مباشرة بالتعريف الأكاديمي للتاريخ والمؤرخ لغة واصطلاحًا، أو التعريف بفروعه وبطرق البحث فيه وذكر مناهجه وأصوله وتحقيقه ونشره ونقده، أو قواعد الكتابة فيه ومصادره، أو كذلك التعريف بالمؤرخين والباحثين في هذا التاريخ. إنَّ المسألة المُثارة بهذه الإشارة هي التعريف بهذا التاريخ وهذا المؤرخ للمجتمع من ناحية القيمة. والداعي لذلك أن كثرة كاثرة من العامة يعرفون التاريخ على أنه الحديث عن السيرة النبوية، وقصص الأنبياء، وحياة الصحابة الخلفاء، وما يتناثر من أحاديثهم ومجالسهم؛ وقلما تجد البعض منهم يحيط علمًا إذا سُئل عن تواريخ الأمويين أو العباسيين، أو الفاطميين، أو العثمانيين، أو تاريخ الحضارة الإسلامية وتاريخ العلوم وغير ذلك من التواريخ، المتصلة «بأحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم وصنائعهم وأنسابهم ووفياتهم»
كما لا تجد لدى فئات كثيرة من هذا المجتمع إجابة تثبت معرفته الدقيقة لهذا التاريخ؛ حسبه معرفته الدقيقة والعامة أمام المذكور مُقدمًا عن تاريخ حياة الرسول –صلى الله عليه وسلم- بالإضافة إلى أحاديثه الشريفة فيما يُقرأ عليهم من كتب الحديث والتي يأتي في مقدمتها كتاب رياض الصالحين للإمام النووي (ت676هـ).
هذا بالإضافة إلى غفلة قطاع كبير من عامة المجتمع -والمتعلمين منهم كذلك- عن مهام المؤرخ أو الباحث في هذا التاريخ على اختلاف تخصصاته وفروعه، وأسباب ذلك تعود بالأساس إلى جهل العامة بالتاريخ وتفاصيل أحداثه، وندرة من يقوم على إلقاء التاريخ على مسامعهم، في الأماكن المتخصصة كمراكز الشباب بالقرى والمدن، أو في قاعات الدرس بالمدارس، أو الفقر في تنظيم الندوات الفاعلة لذلك.
وعلى الرغم أن هنالك مُدرس للدراسات الاجتماعية بالمرحلتين الابتدائية، والإعدادية، ومدرس للتاريخ في المرحلة الثانوية، إلا أن دورهم قائم هنا على التلقين والحفظ الذي لا يثبت، كما أن عقل التلميذ في المرحلة الابتدائية يختلف عما بالمراحل التالية لدراسته؛ خاصة أن اهتمامه ينصب على التأدية الخاصة بالامتحان والمذاكرة من أجله بدون انتفاع يخص المجتمع سوى نجاحه في هذه المادة. فضلا عما تزخر به الجامعات من أقسام للتاريخ بكليات الآداب، ودار العلوم، إلا أن المهام فيها أيضًا تدريسية بالأساس، لتعليم الطلبة خلال مرحلة الليسانس، والذي ينتهي دوره وأثره بالحصول على الشهادة الجامعية، وقد يستفيق الطالب الملتحق بهذا القسم في المرحلة الخاصة بالدراسات العليا، التي يُمكنه فيها أن يصبح باحثًا متخصصًا في ذلك، ويتجه إلى التعريف بهذا التاريخ للمجتمع قدر إمكانه، ولكن الجهود في هذا الاتجاه لا تزال قليلة ونادرة.
والواقع يقول أنه ليست هنالك خطة لتعريف المجتمع بالتاريخ والمؤرخ، لا من خلال التعليم الأساسي بداية من وضع كتب للتاريخ عبر العصور المختلفة -وخاصة التاريخ الإسلامي- كما لا تعمل مراكز الشباب على عقد الندوات المتخصصة التي تتحدث عن المراحل التاريخية لدولة من الدول، أو لأسرة من الأسر، أو لموضوع حيوي بالمجتمع كتاريخ علم من العلوم كالطب أو الحساب أو الفلك، وغيرها من الموضوعات الأساسية والفرعية التي تهم كل مجتمع.
إنَّ الواجب مراعاة هذا الشأن ووضع الخطط والبرامج الكفيلة بتنمية المعرفة التاريخية لدى المجتمع، وتصويب ما يجهله عن التاريخ والمؤرخ؛ الذي يمكنه الإجابة على سؤال الوثيقة التاريخية عن قضية اجتماعية ما، ويملك القدرة على الإدلاء بآراء علمية طيبة وسليمة تصلح لمعالجة هذه القضايا، وذلك على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فيما يتضح من دراسته المتخصصة والعميقة لطور العلوم الإنسانية السابقة والحالية وآثارها المستقبلية، هذا بالإضافة إلى المهام التي يمكن للمجتمع الحصول على تطبيقاتها من خلال المؤرخ الجيد، في ضوء وجهة نظره الصحيحة ورأيه السديد، فيما يلقى القبول والثقة من المجتمع على اختلاف فئاته.
كما ينبغي تعريف المجتمع بالمؤرخ الذي يمكنه التنبيه، والإيضاح والإرشاد بالطرح والاقتراح والإجابة على سؤال الحضارة الإنسانية والنظم، وسؤال المشكلة الاجتماعية، وسؤال تراث العلوم، وسؤال التنظيم السياسي، وسؤال الحلول الاقتصادية، وغيرها من الأسئلة التي يمكن الحصول على إجاباتها من المؤرخ الصادق الثقة الثبت؛ الذي يقوم بالتنقيب عن «الوثائق» و«الكتب» وتمحيصها والتحقق من صدقها وأصالتها ورفض الغث، والإبقاء على الثمين منها، ووضعها تحت دراسة عميقة مُتأنْيَّة في إطار العَمليات التحليلية والنقدية، للوقوف على عِلَلِ الأحداث ومَرَامِيها، ثم استخلاص الدروس وإصدار الأحكام. وإعمال الفكر والاستقراء بعد الملاحظة واكتشاف الغرض أو الغاية، وإجراء العمليات الذهنية مثل التحليل والمقارنة والاستدلال والتصنيف واكتشاف عوامل التطور، وإيجاد الأسباب أو ما يعرف بالعلة أو السببية، ثم الاستنتاج الذي يقوم على أساس شواهد الملاحظة أو بناء على الأدلة والبراهين، لتحقيق نتائج تتميز بالإبداع، أو الوصول إلى نتائج مبتكرة وعرضها بأسلوب منطقي واضح وطريقة علمية أمينة.
والواجب كذلك تعريف المجتمع بهذا التاريخ الذي يختص بتتبع حركة المجتمع الإنساني الدائبة وما يترتب عليها من تدهور وارتقاء الأمم والشعوب، "وأحوال الماضيين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا"، "فيعزز عقله ويصير مجربًا .. فالتاريخ جم الفوائد عظيم النفع لذوي الهمم العالية والقرائح الصافية، لِما جُبلت عليه طبائعهم من الارتياح عند سماعهم هذه الأخبار إلى التشبه والاقتداء بأربابها". واتخاذ العظة والعبرة وفهم الحاضر من خلال الماضي. ومحاولة تجنب الوقوع في الأخطاء السابقة التي تسببت في تدهور حياة البشر.


خالص شكري وتقديري لأسرة تحرير وإدارة جريدة القاهرة ورئيس تحريرها المحترم الاستاذ عماد الغزالي Emad Ghazaly





1 تعليقات

  1. كان العنوان الأصلي المرسل إلى الجريدة هو: (تعريف المجتمع بالتاريخ والمؤرخ)، ولكن تم اعادة الصياغة من جهتهم.

    ردحذف
أحدث أقدم