المؤلفات | تاريخ الأنصار بالأندلس: أنسابهم وبيوتاتهم وأعلامهم ودولتهم، دار أمجد للنشر والتوزيع، الأردن، عمان، 2018م

المقدمة
لقد شاء الله تبارك وتعالى أن تكون خاتمة تاريخ دولة الإسلام بالأندلس على أيدي أحد المنتسبين للأنصار؛ الذين كانت لهم بُغية في تسلم الحكم والخلافة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة (سنة 11هـ) ليبايعوا سعد بن عبادة الأنصاري([1]) .. حتى قالوا: "مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ"، وانتهى الأمر بخلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه-([2]). وها نحن أمام تاريخ جديد للأنصار في تولي حكم المسلمين في الحقبة الأخيرة من تاريخ الإسلام بالأندلس. إنها حقًا لمفارقة كبرى، ووصل عجيب من عجائب هذا الزمان، {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}([3]).
لمّا فتحت الأندلس (92هـ/711م) واستقر قدم أهل الإسلام بها؛ نزل بها من قبائل العرب وساداتهم جماعة أورثوها أعقابهم([4])؛ منهم "الأنصار" الذين كان من أمرهم ما كان.
والأنصار في التاريخ الإسلامي هم أهل يثرب الذين ناصروا رسول الله في الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم- وهم ينتمون إلى قبائل الأوسوالخزرجابني حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث . هاجروا إلى يثرب بعد سيل العرم الذي أودى بسد مأرب فدخلوها بعد أن حاربوا بها يهود حتى استقر لهم الأمر بها، وكانت بين الأوس والخزرج حروب طوال قاسية كان آخرها يوم بعاث قبل الهجرة النبوية.
كان الأنصار من القبائل العربية التي هاجرت إلى المغرب و الأندلس، وهم الجم الغفير بالأندلس، وكان جزء من الأنصار بناحية طليطلة، وهم أكثر القبائل بالاندلش في شرقها وغربها. ففي الاندلس منهم أبوبكر عبادة بن عبد الله بن ماء السماء المشهور بالموشحات وهو من ذرية الصحابي سعد بن عبادة (رضي الله عنه)، ومنهم أيضا بنو الاحمر ملوك غرناطة من ذرية قيس بن سعد بن عبادة، وهم آخر حكام المسلمين في الاندلس وبهم انقرض مُلك المسلمين عام 1492م.
انتشر تواجد الأنصار في مناحي مدن الأندلس، وخير ما ذكر عنهم أجلاه ابن الفرضي (ت403هـ) في كتابه "تاريخ علماء الأندلس"، وابن بشكوال (ت578هـ)، في "الصلة في تاريخ أئمة الأندلس"، وابن الآبار (ت658هـ) في "التكملة لكتاب لصلة"،  وغيرهم من المؤرخين ومؤلفي كتب الرجال والتراجم والرحلات وكتب الجغرافيا، وسجلوا لنا تراجم العديد من علماء الأنصار، من مختلف مدن الأندلس.
وإذا تأملنا دور الأنصار في الحياة العلمية بالأندلس من القرن الثالث حتى القرن السابع الهجري، ألفيناها تقدم لنا نموذجًا هامًا يضرب به كمثال على دور القبائل العربية في الحياة العلمية بالاندلس خلال هذه الفترة التي ظهر فيها نحو أربعمائة وخمسمون عالما من علماء الأنصار.
ثم تمثل هذه الدراسة محاولة للتعرف على مآرب أعلام هاتين القبيلتين ، فما أحوجنا إلى الوقوف مليا عند أعلام الأنصار، واستقراء أعمالهم العلمية الدقيق منها والجليل، إذ أننا حين نفعل ذلك سيتوفر لدينا سجل متراكم من الحقائق عن التاريخ العلمي لهاتين القبيلتين ودورهما البارز في هذا الجانب.
ومما يكسب هذا الموضوع أهمية أن هذا البحث سيقدم مادة علمية طيبة من خلال دراسة دور قبيلتبي الأوس والخزرج في الحياة العلمية بالأندلس من خلال كشف النقاب عن علمائها بالأندلس.
وهنالك العديد من مشاهير وأعلام هذه القبيلة الذين اعتنوا بالعلم وأحسنوا تقييده، وأخذ الناس عنهم، وذاع صيتهم وعلمهم في مدن الاندلس هنا وهناك، وازدهرت على أيديهم الحياة العلمية في الأندلس.

أهَميَّةُ الدِرَاسَة:-
تعتبر القبيلة إحدى المكونات الاجتماعية والسياسية في المجتمع العربي عامة والمجتمع الأندلسي خاصة، وقد لعبت قبيلتي الأوس والخزرج (الأنصار) دوراً بارزاً في الأحداث التاريخية طوال تاريخ المسلمين بالأندلس، وهي قطب مهم، ولاعباً رئيساً في التاريخ العلمي في كثير من مدن الأندلس.
وتتجلى أهمية هذه الدراسة حول دراسة تاريخ قبيلتين مهمتين من القبائل العربية في الأندلس، بالبحث عن الأنصار وأعلامهم؛ الذين بلغ عددهم أكثر من أربعمائة وخمسون عالمـًا، ينبغي علينا دراسة تاريخهم وأثرهم في الأندلس، وقبل ذلك الواجب جمع هؤلاء الأعلام بالتحقيق وعمل الفهارس والكشافات والجداول اللازمة لذلك.

أَهدافُ الدِرَاسَة:-
تهدف الدراسة إلى إلقاء الضوء على قبيلتي الأوس والخزرج وأعلامهما، ونسبهما وهجراتهم إلى المغرب الإسلامي والتعرف على مواطن استقرارهم بالأندلس خاصة، كما ترمي الدراسة بشكل جوهري كشف النقاب عن علماء الأنصار بالأندلس، والتعريف بهم، وانتشارهم بالمدن الأندلسية، وأهم الوظائف التي تقلدوها، كذلك تهدف الدراسة إلى البحث في دورهم العلمي بالأندلس، بالأضافة إلى ما أسهموا به في ازدهار الحياة العلمية بالأندلس سواء مؤلفاتهم العلمية، أو جهودهم في نشر العلم.

تساؤلات الدِرَاسَة:-
تحاول هذه الدراسة الإجابة على العديد من الأسئلة المثارة حول قبيلتي الأوس والخزرج (الأنصار) وعلمائهم في الأندلس حتى القرن السابع الهجري، ولعل أهم هذه الأسئلة، التي ستجيب عنها الفهارس والكشافات والجداول، هي:-
1)    من هم الأنصار وما هو نسبهم ؟
2)    كيف استقر الأنصار في الأندلس ؟
3)    من هم أعلام الأنصار ؟
4)    ما هي بيوتات الأنصار بالأندلس؟
5)    ماهي الإسهامات العلمية لعلماء الأنصار ومؤلفاتهم؟
6)    ما هي الوظائف التي تقلدها علماء الأنصار بالأندلس؟

مادة الدِرَاسَة:-
المادة المستخدمة في البحث هي النصوص التاريخية التي وردت في المصادر العربية التي كتبها المعاصرون، بالإضافة إلى النسابة والجغرافيون والرحالة وغيرها، هذا فضلا عن المراجع العربية والأجنبية التي تعرضت من قريب أو من بعيد للموضوع.

قائمة المُصطلحات:-
1)       القبيلة:-
هي الطبقة الثانية، وهي ما انقسم الشعبُ فيها، كربيعة ومضر، وتسمى جمجمة، والقبيلة هي التي تجمع العمائر، والشعب هو الذي يجمع القبائل، ومتى تقادم الزمان وطالت الأنساب تحولت القبائل إلى شعوب([5]).
2)       الأوس:-
الأوس هم بنو الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن غسان بن الأزدبن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان([6]).
3)       الخزرج:-
هم بنو الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن غسان بن الأزدبن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان([7]).
4)       الأنصار:-
الأنصار في التاريخ الإسلامي هم أهل يثرب الذين ناصروا رسول الله في الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وهم ينتمون إلى قبائل الأوس والخزرج قبيلتان من قبائل غسان بن الأزدالكهلانية القحطانية، هاجرت إبان انهيار سد مأرب لتستوطن يثرب أو ما يعرف اليوم بالمدينة المنورةفي الحجازبجانب الخزرج وقد اشتهرت هاتان القبيلتان بالأنصار لأنهم من نصروا نبي الله، محمدًا-صلى الله عليه وسلم- وقد قام الرسول بالمؤاخاة بينهم وبين المهاجرين، وهم اليوم يلقبون بالأنصار.

منْهَجُ الدِرَاسَة:-
تعتمد الدراسة على المنهج العلمي والتاريخي في جمع وتحقيق التراث  وإعداده للدراسات التاريخية مع تضمين ذلك الفهارس والكشافات والجداول المعينة على القيام بعمل نظرة تحليلية لما ورد بالمصادر المختلفة ومقارنتها واستخراج الحقائق في كل نقطة من نقاط البحث مع عرض الآراء بنظرة تحليلية.

حُدودُ الدِرَاسَة:-
حدود الدراسة تشتمل على عنصري الزمان والمكان، أما الزمان أو العصر فهو من عام الفتح (92هـ) حتى سقوط الأندلس (897هـ)، أما عنصر المكان فهو الأندلس، وهي البلاد التي كانت تحت حكم المسلمين في جزيرة إيبيريا، وكانت تشكل وقت الدراسة أكثرية مساحة دولة إسبانيا الحالية، ومعظم أراضي دولة البرتغال الحالية أيضًا.

تقسيمات الدِرَاسَة:-
قسمت الدراسة إلى مقدمة وتمهيد، وثلاثة أقسام.
تحدث التمهيد عن: فتح الأندلس ودخول القبائل العربية إلى الأندلس.
أما القسم الأول، فتناول: التعريف بنسب الأنصار واستقرارهم بالأندلس ودولتهم، وبحث: أولا: التعريف بنسب الأنصار، ثانيًا: استقرار الأنصار بالأندلس    
ثالثًا: بيوتات الأنصار بالأندلس، رابعًا: دولة الأنصار بالأندلس (بنو الأحمر المنتسبين للأنصار في غرناطة).
أما القسم الثاني، فضم: أعلام الأنصار بالأندلس: مرتب وفق الترتيب الأبجدي.  وضم القسم الثالث: الملاحق، وبه ثمان ملاحق، تبحث في جوانب عدة، فبداية ضمت الملاحق نموذج مقترح للدراسة بعنوان: الإسهامات العلمية لأعلام الأنصار بالأندلس: (من ق3هـ إلى ق7هـ ).
هذا بالإضافة إلى: جدول: مواضع انتشار الأنصار بالأندلس، والأعداد التقريبية بكل موضع، وفهرس: الأعلام مرتبة وفق مواضع استقرارهم بالأندلس، وجدول: مواضع تركز بيوتات الأنصار بالأندلس: مرتب وفق عدد البيوتات، وكشاف:  بيوتات الأنصار بالأندلس: مرتب وفق الموضع الأكثر بيوتًا وعلماءًا، وكشاف: أعلام الأنصار بالأندلس مُرتب وفق تاريخ الوافاة: يتبين من خلاله ظهور الأعلام وفق كل عصر بالأندلس، وفهرس: التراث العلمي للأنصار بالأندلس: المؤلفين ومؤلفاتهم من علماء الأنصار، وكشاف: الوظائف التي تقلدها علماء الأنصار بالأندلس. ثم جاءت مكتبة المصادر والمراجع.
وأنبه هنا أن هذا الموضوع المقدم تحت منهج "الجمع والدراسة والتحقيق" والذي ألحقته بثمان ملاحق: فهارس وكشافات وجداول، يمكن أن يكون بطاقة استرشادية لباحث نابه يمكن تقديم دراسة عن "دور الأنصار في الحياة العلمية"، وقد وضحت له الخطة في ملاحق الدراسة.
وأشير أيضًا بإنه لم يسعني سوى تقديم الجانب الجديد، فلم أحبذ نقل ما تم بحثه عن الأنصار، مثل الحديث عن بنو الأحمر المنتسبين للأنصار في غرناطة، وهذا الجانب لم أسهب الحديث فيه لأنه مبحوث بالإضافة إلى تاريخهم في المشرق، بينما ما أردت تقديمه هنا هو الجانب الذي لم يتم بحثه، والتطرق إليه، بذكر أنسابهم بالأندلس، وأعلامهم، وبيوتاتهم، وإنتاجهم العلمي، وانتشارهم بالأندلس، ووظائفهم، وغيرها من الموضوعات التي تطرح للمرة الأولى عبر هذه الدراسة، وخدمتها الملاحق. بفضل الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين.


([1]) سَعْد بن عبادة (000 - 14 هـ = 000 - 635م)، هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة، الخزرجي، أبو ثابت: صحابي، من أهل المدينة. كان سيد الخزرج، وأحد الأمراء الأشراف في الجاهلية والإسلام. شهد العقبة مع السبعين من الأنصار. وشهد أحدا والخندق وغيرهما. وكان أحد النقباء الاثني عشر. انظر: ابن حجر (ت852هـ): الإصابة في تمييز الصحابة، دار الكتب العلمية، بيروت، طـ1، (1415هـ)، (3/55).
([2]) راجع تفاصيل الحدث عند: الطبري (ت310هـ): تاريخ الرسل والملوك، دار التراث، بيروت، طـ2، (1387هـ)، (3/201)، وابن الأثير (ت630هـ): الكامل في التاريخ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، طـ1، (1417هـ/1997م)، (2/ 187).
([3]) سورة آل عمران، الآية رقم: (140).
([4]) وفي هذا الصدد بفضل الله تعالى يمكن الاطلاع على: معجم أعلام القبائل العربية بالأندلس، (محمد جمعة عبدالهادي)، دار الأفاق العربية، القاهرة، (3مج)، طـ1، (1437هـ/2017م). وهذا المعجم يُرشد بشكل تفصيلي إلى القبائل العربية وأعلامهم، وتراثهم، ومواطنهم بالأندلس، وغير ذلك من الموضوعات التي تشكل في مجموعها صور بحثية جديدة، فهو يطرح للباحثين أفق دراسية عديدة متنوعة عن القبائل العربية بالأندلس.
([5]) السمعاني: الأنساب، تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، طـ1، (1382هـ/1962م) ، ص 14.
([6]) القلقشندي : قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان، تحقيق: إبراهيم الإبياري، دار الكتاب المصري، طـ2، (1402هـ/1982م) ، ج1 ص 81.
([7])  السمعاني: المصدر نفسه، ص 67. القلقشندي : المصدر نفسه، ج1 ص82.

2 تعليقات

  1. السلام عليكم دكتور انا محتاج كتابك هذا تاريخ الانصار في الأندلس كيف فيني احصله ويا ريت لو فيك تبعتوا ليه

    ردحذف
    الردود
    1. أخ سيوفي السلام عليكم، حضرتك اللهيبي من أي قبيلة ممكن أتعرف عليك لأنه لدينا اللهيبي بنفس الاسم في المدينة

      حذف
أحدث أقدم