محمد جمعة عبدالهادي | بطاقات تعريفية - 09 | "الالتحاق بالدراسات العليا وتسجيل موضوع الرسالة العلمية"، (جريدة السياسة الكويتية، الأربعاء، 29 صفر، 1440هـ/7 نوفمبر، 2018م، العدد: 17879)، ص 13.
تُعدْ الدراسَات العُليا إحدى أهم منصات البحث
العلمي، التي ترتكزُ عليها الجَامعات في العالم؛ لِما لها من قيمة كبرى
تتجَلى بإخراج باحثين قادرين على البحث والفَحص والتحليل والقراءة لتاريخ
المجتمعات، بكل أشكاله وأنواعه عبر العصور من خلال تطبيقات علمية رائدة،
تتمثل في الرسائل العلمية المقدمة من أجل الحصول على درجات الماجستير
والدكتوراة؛ ويستفيد منها المجتمع البحثي والمعرفي بعامة.
بينما نجد فقه الالتحاق بالدراسات العليا مُغيب لدى كثير من الطلبة
الملتحقين في بداية الالتحاق، أو لدى الباحثين فيما بعد الالتحاق؛ وما
تمثله الدراسات العليا لديهم من كونها “مشروع علمي لإخراج باحث”، ويكتفي
البعض منهم بالسعي للحصول على الألقاب العلمية؛ التي تمثل نقطة تحصيل حاصل
بالفعل؛ إلا أن فقه الالتحاق بالدراسات العليا لا يُبني لأجل الحصول على
هذه الألقاب فقط؛ فليس في الأمر ذلك، والواجب ألا يُزاحم لأجل الألقاب؛ من
دون المُزاحمة لأجل البحث العلمي وإتقان منهجه وسبل تحقيقه، وتطبيق الغايات
والمقاصد، فضلا عن التأثير بالإصلاح ومن ثم إحداث التغيير.
ويتجلى فقه الالتحاق بالدراسات العليا بالجامعات في ضوء موضوعات ثلاثة،
وأمور خمسة؛ أما الموضوعات؛ فهي: البحث العلمي، والأخلاق، والتأثير. وهذه
تمثل الغايات والمقاصد الكبرى من الإلتحاق بالدراسات العليا؛ لا يحق أن
تغيب إحداها عن الباحث، أو يغفل عن تحقيقها طيلة دراسته وعمله وانكبابه على
البحث والتحصيل؛ فضلا عما يكسبه إلى نفسه من فكر واستنارة.
وهذه الموضوعات الثلاثة تفسرها أمور خمسة تبين وتوضح فقه هذا الالتحاق،
وهي: أولا: أن يخلد الطالب في البحث والتنقيب عن مشروع علمي “نافع” لم يسبق
إليه أحد على أقل تقدير؛ فلا يكرر ما هو موجود ومتوفر.
ثانيًا: أن يُراعي الطالب فقه استفادة المجتمع من مشروعه العلمي المقبل على
تطبيقه وتنفيذه؛ ويسأل ما فائدة هذا الموضوع البحثي للمجتمع.
ثالثًا: أن يقدم الطالب مشروعه ملتزما فيه- قدر استطاعته- قواعد البحث
العلمي، وأن لا يسعه عرض المعلومات والبيانات فقط، من دون الوقوف على
تقارير وحقائق جديدة هي جزء من المجتمع توثق ماضيه وحاضره.
رابعًا: أن يكتسب الطالب في طيات كل ذلك أخلاق ومكارم السابقين من دون عبث؛ فهذه واحدة إن غابت صار ما سبقها أصفارا.
خامسًا: أن يبحث في التأثير المجتمعي لأجل الإصلاح والتغيير قدر إمكانه،
وأن يكون قادرا على التأثير والنفاد إلى المجتمع من خلال رسالته.
ويتجلى فقه اختيار وتسجيل موضوع الرسالة العلمية: الماجستير، والدكتوراة بخاصة؛ في التالي:
أولا: أن يتحقق فيها معنى الرسالة العلمية الموجهة للمجتمع بعامة.
ثانيًا: أن يتجنب خطأ تسجيل موضوع لا يصلح سوى أن يكون كتابا تنشره دور
نشر، أو بحثًا ينشر في مجلة علمية كانت أو ثقافية. فعليه أن يعي الفرق بين
إعداده لكتاب وإعداده لرسالة علمية، وأن يفرق بدقة- بمعاونة مشرفه- بين
موضوع يصلح نشره ككتاب، وآخر يصلح لبحث علمي يسجل كرسالة. فلا تزال هنالك
رسائل علمية مجازة؛ هي عبارة عن كتب كان من الممكن أن يتم تحكيمها في دور
نشر لطباعتها، فاذا قام الطالب بتحديد العنوان وألحقه بفترة زمنية محددة هي
في حد ذاتها مجتزأة من التاريخ العام.
ثالثا: أن يسجل موضوع يتحقق فيه الاستمداد التاريخي، وبحث موضوع يحقق صلة
الصلة وموصول الصلة بالمجتمع الحاضر، يقرأه الجميع على اختلاف تخصصاتهم؛
فالباحث لا يسجل موضوعا المستهدف فيه الباحثين فقط فهذا خطأ فادح فسيل من
موضوعات الرسائل العلمية على الأرفف جلب، نتيجة تجنب الاستفادة المجتمعية
منه، عدم الجدوى وعدمية التأثير، هذا فضلا عن عدمية استحقاقها الموضوعي
والمرتبي.
إن الواجب في ما أعتقد أن يُدرب الباحث، والطالب على فقه اختيار الموضوع
الذي يسمى “رسالة علمية”، وأن يحاول أن يسقط عليه ما يسمى الاستمداد
التاريخي الذي يمكن المجتمع من الاستفادة من رسالته؛ التي تعتبر مشروعا
علميا يجب أن تتوافر فيه عوامل التأثير؛ لذا عليه أن يفكر فيه بتدبر من دون
تعجل؛ فهذه في النهاية تسمى رسالته العلمية والمجتمعية.